الأربعاء، 1 أبريل 2020

7 / خلاف بين أبى بكر وعمر ــ رضى الله عنهما ــ

 خلاف بين أبى بكر وعمر ــ رضى الله عنهما ــ
جاء في صحيح البخاري ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : " كانت بين أبي بكر وعمر محاورة ، فأغضب أبوبكر عمر ، فانصرف عنه عمر مغضبا ، فاتبعه أبوبكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل ، حتى أغلق عمر بابه في وجه أبى بكر ، فأقبل أبو بكر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فقال أبو الدرداء : ونحن عنده فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : أما صاحبكم هذا فقد غامر أي خاصم  ، قال : وندم عمر علي ما كان منه ، فأقبل حتى سلم وجلس إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، وقص علي رسول الله الخبر .
فقال أبو الدرداء : وغضب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت ظالما ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : هل أنتم تاركو لي صاحبي إني قلت : ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدقت "
هذا الموقف كان موضوعا لإحدى خطب الجمعة  التي ألقيتها في أحد المساجد ، وأخذت أبين للناس من خلاله منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقدرهما في الإسلام ، وأنهما باتفاق الأمة - كما ورد في عدة أحاديث صحيحة - أفضل الصحابة علي الإطلاق ، وبرغم ذلك فإنهما ليسا معصومين .
وأخذت أوضح للناس أن الإنسان مهما كان صاحب خلق فهو في النهاية بشر ، ربما تغلبت عليه نفسه أو شهوته أو دنياه أو هواه ، والفرق بين الإنسان صاحب الخلق وبين غيره ، أن صاحب الخلق لا يستسلم لانهزام نفسه أمام هذه الأشياء ، وهو ما فعله الصحابيان الجليلان ، فعمر رضي الله عنه ندم لأنه لم يقبل اعتذار أبى بكر عندما ذهب إليه ليعتذر ، وأبو بكر ذهب خلف عمر يطلب منه الصفح ولم يكابر عندما شعر بأنه هو الذي أخطأ ، ورغم أن عمر أغلق الباب في وجه أبي بكر ، فلم تأخذ أبابكر  العصبية ، وذهب إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، واعترف بأنه هو المخطئ ، وهذا يرفع من شأنهما لا يقلل منه على الإطلاق .
وقلت للناس : إذا كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما  قد ضربا لنا أروع الأمثلة في العبادة والزهد في الدنيا ، فلقد ضربا لنا مثلا أروع بكثير في التسامح والاعتراف بالخطأ من خلال هذا الموقف ، لأن العبادة أسهل بكثير على نفس الإنسان من الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق ، لذا من الواجب علينا أن نقتدي بهما في هذا الموقف ، أكثر من الاقتداء بهما في كثرة النوافل المتعلقة بشتى أشكال العبادة والذكر ، وخاصة أن هذا الموقف متعلق بحق الغير ، والله أحرص علي حق العباد أكثر من أي شي آخر .
هذه هي الفكرة التي دارت حولها الخطبة من خلال هذا الموقف الذي حدث بين الصحابيين الجليلين ، وفوجئت بعد الخطبة ببعض الطلاب المتخصصين في العلوم الشرعية يوجهون إليَّ الاتهام بأنني أريد أن أشوه صورة الصحابة ، وأنني أتجاهل حياة الصحابة المليئة بالمواقف العظيمة والإيجابية ، وأتعمد ذكر هذه المواقف الاستثنائية التي ليس من الواجب أن تستوقفنا أثناء قراءتنا لها ، فضلا عن الإتيان بها وطرحها في خطب الجمعة ، وذكرها أمام عامة المسلمين .
 وأخذت الاتهامات تنهال عليَّ من قبلهم حتى طالبني أحدهم بالتوبة ، كل هذا وأنا لم أرد بكلمة واحدة ، ليس عن ضعف مني بل لأنني أدركت أني لو تكلمت  سأدخل مع هذه العقول المتحجرة في جدل عقيم لا يفيد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا "
وإني أرى أن ذكر هذه المواقف أمر من الأهمية بمكان ، فمثلا الرماة الذين تخلوا عن مواقعهم في غزوة أحد مخالفين بذلك أمر الرسول صلي الله عليه وسلم القائد ، ألا يصح أن نشير إلي اجتهاد خاطئ وقعوا فيه ، فأدي إلي الكارثة التي لحقت بالمسلمين في المعركة ، بعد أن بدأت بنصر المسلمين وهزيمة المشركين غفر الله لنا وللصحابة أجمعين .
إن الواجب يحتم علينا أن نتحدث عن سلبيات وقعت من البعض في معركة أحد ، وأن نبين الأسباب والنتائج التي أدت إليها تلك  السلبيات ، مثلما نتحدث عن إيجابيات بدر وثمراتها ، وأن نقدم الدراسة التحليلية الواعية لكلتا المعركتين ، لنضع بين يدي المسلمين عامة ، والجيل المعاصر خاصة ، الممارسات الخاطئة لتجنبها والحذر منها خشية الوقوع فيها .
إن الله سبحانه وتعالي لما أراد أن يرسل رسلا فإنه لم يرسل إلي البشر ملائكة ، ولكنه أرسل رسلا من البشر أنفسهم ، جعلهم أنبياءه وسفراءه إلى الخلق ، يبلغون عنه جلا وعلا ،  رسلا يأكلون ويشربون وينامون ، يتزوجون ويتناسلون ويمرضون ويصحون ويموتون مثل بقية البشر ، لكي لا يكون للناس علي الله حجة بعدهم ، فلو أرسل الله ملائكة أو ملكا لقوم ما ، لقال البشر : إن هذا ملك لا نستطيع أن نفعل مثل ما يفعل ،  ولا نستطيع أن نعبد الله مثلما يعبد ، قال تعالى في سورة الأنعام :
" وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ"
وقال تعالى في سورة الإسراء:
" قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا "
هكذا يجب أن يفهم الدعاة ألا يظهروا صورة الصحابة والسلف علي أنهم ملائكة ، أو أنهم معصومون ، ذلك لأن القدوة يجب أن تكون طبيعته ملائمة لمن يقتدي به ، فإذا أراد الدعاة من جمهور المسلمين أن يقتدوا بالصحابة والسلف ، فواجب عليهم أن يتحدثوا عن الأخطاء التي وقعت من الصحابة والسلف ، وكيف عالج الإسلام هذه الأخطاء بأسلوب تربوي هادف ، وكيف اطلع الإسلام علي الانحرافات التي يمكن أن تقع من البشر وأرشدنا إلي طريقه تقويمها .
وبذلك تصنع النفوس السوية في الحياة بكل ما فيها من عوج واستقامة وواقع ومثالية لتكون لدينا تربية إسلامية متكاملة كفيلة بعلاج المواقف وحل المشكلات .

6 / سياسة جذب الجمهور


سياسة جذب الجمهور
كان أحد الدعاة المشهورين جدا علي مستوي العالم الإسلامي يتحدث في إحدى القنوات الفضائية عن موقف لأحد السلف ويدعى أبو حازم وهو من التابعين ، والقصة طويلة تتلخص في الآتي :
" أنَّ هذا التابعي التقى يوما أحد صحابة رسول صلي الله عليه وسلم ، فقال له هذا الصحابي : كنت سابع سبعة مع رسول الله فأخذ النبي علينا عهودا ، وذكر من هذه العهود ( وأن لا نسأل أحدا شيئا إلا الله ) ، فقال أبو حازم للصحابي : وأنا أعاهد رسول الله علي ما عاهدتموه عليه .
وبعد أيام والتابعي يمشي في مكان ما ، إذ به يسقط في بئر مهجور ليس به ماء ، فقال : أنتظر حتى يمر أحد الناس فاستنجد به .
وبعد فترة سمع شخصين يتحدثان فهمَّ أن يستنجد بهما ، لكنه تذكر عهده الذي أخذه على نفسه مثل السبعة الذين كانوا مع رسول الله فلم يستنجد بهما حفاظا على عهده واحتسب ذلك عند الله .
لكنه سمع  هذين الرجلين وهما يتفقان علي أن يأتوا بصخرة كبيرة ليسدوا البئر ، خوفا من أن يقع  بها إنسان ، فهمَّ أن يستنجد بهما لما شعر أن الأمر ضاق عليه ، إلا إنه قال وفائي للعهد الذي قطعته على نفسى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهم من حياتي ،  وبالفعل لم يستنجد بهما ، برغم أنه قد شعر بهما وهما يضعان الصخرة علي البئر وينصرفا .
جلس أبو حازم منفردا لكن لديه يقين تام بأن الله  سبحانه وتعالى منجيه ، وبالفعل لم يمض كثير من الوقت حتى شعر أبو حازم بيد تمتد إليه وتنتشله من البئر ، وتأخذه علي سطح الأرض ، وإذا به يسمع صوتا يقول له : هذا جزاء المتوكل يا عبد المتوكل " .
وبعدما أنهى الشيخ القصة أخذ يحكي كيف أن الصحابة رضوان الله عليهم كان الواحد منهم يكون علي فرسه فيقع منه الشيء فينزل ليأخذه ، ولا يطلب من أخيه الذي يمشي على الأرض أن يناوله ما وقع منه ، تنفيذا لعهد رسول الله .
وهذه القصة نموذج من عشرات  بل مئات القصص التي يقذفها الدعاة على الناس سواء عبر المنابر يوم الجمعة ، أو من خلال الندوات والمحاضرات أو البرامج الدينية علي الفضائيات .
والأخطر من ذلك تلك التعليقات الساذجة التي تصدر من الدعاة والمشايخ على هيئة نصائح أو دروس مستفادة من هذه القصص .
والناس يتلقون الكلام الذي يخرج من أفواه هؤلاء علي أنه دين و تشريع ، في حين أن كثيرا من مفاهيم هذه القصص تخالف مفاهيم المنهج القرآني و السنة النبوية المطهرة وهما الأصلان الأساسيان اللذان نستقى منهما المفاهيم والأحكام .
وهذه القصة التي نحن بصددها والتي رويت علي لسان داعية مشهور ، تثق جماهير الأمة في كلامه ، وتتلقفه على أنه دين وتشريع وتستقى من كلامه مفاهيم كثيرة لا أقول إنها تضر بل أقول إنها تدمر الثقافة الإسلامية وتشكل بدلا منها ثقافة خاطئة تقوم علي عدم الأخذ بالأسباب وعدم التعاون بين الناس .
فديننا الإسلامي لم يمانع أبدا استعانة الإنسان بالإنسان من باب الأخذ بالأسباب ، لا من باب الاعتماد كلية علي غير الله  ونسيان فضله ، وحكمه ، وما يقدره سبحانه وتعالي علي عباده .
أما ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله للصحابة السبعة الذين أخذوا منه تلك العهود ، عندما قال لهم : " ولا تسألوا أحدا شيئا إلا الله " : أي لا تذلوا أنفسكم بسؤال أحد إلا الله سبحانه وتعالى .
فإن كان السؤال بكرامة وشرف وعزة نفس وإيمان حقيقي بأن الذي نسأله سبب يَسَّر الله على يديه الأمور فلا مانع مطلقا منه ، أما إذا كان السؤال فيه مذلة للنفس أو تعظيم لغير الله فلا يجوز ذلك مطلقا .
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا صراحة في الحديث الصحيح : " اطلبوا الحوائج بعزة النفس فإن الأمور تجرى بمقادير ".
ثم إن الأمور الحياتية البسيطة لا يمكن أن تكون داخلة في مقصود النبي على الإطلاق ، لأن الدنيا بأكملها قائمة على التعاون بين الناس ، على الأقل في الأمور العادية ، قال تعالى في سورة المائدة :
" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
فعندما يسأل الراكب على فرسه أخاه الذي يمشى على الأرض أن يناوله ما وقع منه ، تكون المعاونة فرضا على الذي يمشى – كما نفهم من الآية الكريمة - وليس تفضلا منه ، وذلك أبسط أنواع التعاون بين الناس .
والمسلمون إن لم يتعاونوا في مثل هذه الأمور الحياتية البسيطة ، ففي أي شيء بعد ذلك سيتعاونون ؟
فإن لم يتعاون الناس في مثل هذه الأمور البسيطة ، فلن يتعاونوا في أي شيء آخر، وسيفقد الناس بهذا الأسلوب الترابط فيما بينهم ، وتفقد العلاقات بينهم معاني الألفة والمحبة ، وكل هذا لا يتفق مطلقا مع المبادئ التي جاء بها الإسلام .
نخلص من ذلك إلى أن ذلك التابعي ومن سار على دربه قد فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم بشكل خاطئ لدرجة أنه أسقطه على موقف بسيط ، وأمر حياتي عادي ، وقد أولَّ كلام النبي تأويلا غريبا وعجيبا وغير مقبول بالمرة .
إن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه استجار بعد عودته من الطائف بمطعم ابن عدي وهو رجل مشرك كما نعلم ، فهل أبو حازم رضوان الله عليه مهما كانت مكانته كان أحرص علي عدم سؤال أحد غير الله من رسول الله ؟
للأسف إن كثيرا من الدعاة والمشايخ لا يدركون خطر هذه القصص التي يستسهلون حديثهم بروايتها لجذب عقول الناس ، وترقيق قلوبهم ، وإظهار صورة السلف بهذا الشكل الأسطوري ، ليتخذهم الناس قدوة دون أن يجتهدوا في فهم نصوص القران والسنة فهما صحيحا ، وتوصيل المفاهيم الصحيحة للمسلمين ، وهذا الاستسهال ليس لنبل المقصد غالبا ، ولكن كثيرا ما تكون هذه القصص عامل جذب للجمهور ولزيادة الملتفين حول الداعية أو الشيخ ، خاصة أن عامة المسلمين لا يريدون أن يتلقوا مناهج عملية ليطبقوها على أرض الواقع ، بل يريدون أن يسمعوا مثاليات خيالية يذهب معها خيالهم بعيدا عن الواقع الذي يعيشونه .

5 / تتمة حديثى مع العالم الأزهرى

تتمة حديثى مع العالم الأزهرى
إن المنهج الإلهي الذي ورد في القران الكريم عندما نقل قصص الأولين من الأنبياء والصالحين ، لم ينقل لنا الجانب الروحاني أو الإيجابي فقط من حياتهم ، بل نقل حياتهم كما هي بالواقع الذي عاشوه لتكتمل الفائدة من ذكر هذه القصص ، وليستفيد الناس من تجارب السابقين استفادة حقيقية .
فالله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم  ذكر معصية آدم ولم ينكرها ، وذكر لنا خطأ يونس عليه السلام وعقاب ربه له بأن التقمه الحوت ، بل وذكر الله لنا عتابه للنبي - وهو المعصوم صلي الله عليه وسلم  -  في أكثر من موضع في القرآن الكريم .
وأنت يا سيدي تعلم ذلك جيدا ، فالمنهج الإلهي يجسد لنا الصورة الكاملة عن حياة السابقين مهما كانت مكانتهم دون إغفال أي جانب أو موقف إيجابيا كان هذا الموقف أو سلبيا .
أما انتم يا سيدي فتسببتم في إبعاد الناس عن سلفهم الصالح ، عندما نقلتم حياة السلف علي أنها حياه قاصرة علي أوراد ، وأذكار ، وعبادات ، وكرامات ، وعلوم شرعية .
لماذا لا تذكروا للناس علاقة الصحابة والسلف بالدنيا ؟
وكيف دخلوا معترك الحياة ، وثابروا وكافحوا فيها ؟
وكيف أخطئوا وكيف عالجوا أخطاءهم وتعلموا منها ؟
وكيف ...... وكيف!؟
إنكم غيبتم الناس عن هذه الجوانب المهمة من حياتهم ، والتي جعلت لهم شأنا يذكر في تاريخ الدنيا ، فلمصلحة مَنْ نلوي أعناق النصوص الصحيحة الصريحة التي تبين للناس أن هناك خطأ وقع من صحابي أو سلفي ، ولا نبين للناس حقيقة هذا الخطأ ليتعلموا منه ؟
لمصلحة مَنْ نبين للناس أن عهد الصحابة والسلف كان عهد ملائكيا أسطوريا لا مجال فيه للخطأ علي الإطلاق ، ونعزل الدين عن دنيا الناس بهذا الشكل ؟
إننا لو تحدثنا مع الناس ، أو راقبنا أسئلتهم عبر الفضائيات والإنترنت أو من خلال الندوات ، والمحاضرات العامة ، سنجد أن ثقافتهم الدينية بل والحياتية معدومة ، وأنهم يسألون عن سنن بسيطة ويعولون عليها رضا ربهم جل وعلا ، في حين أنهم يعاملون بعضهم معاملة لا ترضي الله على الإطلاق .
والسبب في ذلك يرجع ـ في رأيي ـ إلى أن مثل هذه القصص التي وردت لنا عن السلف والتي اتخذها الناس دينا لهم جعلتهم يعتقدون أن المسلم الملتزم المخلص لربه هو فقط الذي يهتم بالعبادات كالصلاة والذكر والدعاء والأوراد ، ويكتفي بهذه العبادات دون غيرها لينال رضا الله سبحانه وتعالى .
وبذلك حدث هذا الانفصام الذي نراه على أرض الواقع إذ نرى أعدادا هائلة من المتدينين يصلون ، ويصومون ، ويعتمرون ، ويحجون ، ويطلقون لحاهم ، ويرددون الأوراد والأذكار مع حفظهم لبعض الأحاديث المتعلقة بطقوس العبادة  لينصحوا بها من يخالفهم وخاصة من لا لحية له من الرجال ، أو من لا ترتدي النقاب أو الحجاب من النساء ، ويعتقدون أنهم بهذه الطقوس قد ساروا على درب سلفهم الصالح ، بل و اقتربوا من ربهم حتى صاروا خلفاء الأنبياء والرسل ،  في حين أنهم في مجال الأخلاق والمعاملات ، والحرص على إعمار الأرض ، وإصلاح الأوطان ، ومراعاتهم لعملهم أبعد ما يكون عن الله .

4 / هل حقد المهاجرون علي كعب بن مالك ؟


 قصة الثلاثة الذين خلفوا
كنت أقرأ منذ سنوات غير بعيدة في أحد كتب السيرة قصة الثلاثة الذين خلفوا ، وهالني ما قرأت علي لسان كعب بن مالك رضي الله عنه في نهاية القصة بعدما نزلت آية التبرئة من عند الله سبحانه وتعالي علي المخلفين في قوله تعالي في سوره التوبة
"وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ "
وهذا نص ما قاله كعب بن مالك في نهاية سرده لقصته المتعلقة بتخلفه عن الجيش ، وذلك كما ورد في كتب السيرة وكتب السنة الصحيحة ، يقول كعب ابن مالك : " .... حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلي الله عليه وسلم جالس وحوله الناس ، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره ، وكنت لا أنساها لطلحة ..."
فقلت في نفسي هل حقد المهاجرون علي كعب بن مالك ؟ وقبل أن أدع نفسى تسترسل في الإجابة على هذا الوسواس طردته ، فمجرد التفكير في ذلك جريمة كبري كما تعلمنا من مشايخنا وعلمائنا ، وظللت فترة كنت إذا ذكرت هذه القصة أو سمعتها لا أعلق علي مقولة كعب بن مالك ، على الرغم من حيرتي الشديدة من تصرف المهاجرين معه .
ولما تحرر عقلي من عبث الأفكار الساذجة الذي كان يسيطر عليه ، بدأت أثير هذه المسألة مع بعض الدعاة والمشايخ ، وأسألهم عن  هذا التصرف الغريب الذي صدر من المهاجرين مع كعب بن مالك ، ولم يكن هناك رد مقنع شاف يروى ظمأى ، فجميعهم حاول أن يؤول هذا التصرف تأويلات غير منطقية بالمرة ، فمنهم من يقول إنهم فعلوا ذلك بسلامة صدر ، ومنهم من يقول ربما لم ينتبه المهاجرون لدخول كعب ، ومنهم من اتهمني في عقيدتي لأني أثير مسألة كهذه قد تقدح في الصحابة .
فعجبت من هذه الردود الغريبة ، والأعجب من ذلك أنه جمعتني الظروف مع عالم جليل من علماء الأزهر الشريف ، وأستاذ مرموق  بجامعتها ،  فلما ناقشته في هذا الموقف ، واستشعر منى أنني لن أقبل منه مطلقا ردا   تقليديا ، قال : وما تفسيرك أنت لهذا الموقف ؟ فقلت له : هذا الموقف ليس له إلا تفسير واحد ، وهو أن المهاجرين استكثروا  أن ينزل الله في شأن كعب بن مالك قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ، والدليل ما ورد في كل الروايات الصحيحة على لسان كعب : " والله ما قام رجل من المهاجرين غيره ، وكنت لا أنساها لطلحة " .
وليس معنى هذا أنني أقدح في المهاجرين ، أو أقلل من مكانتهم العظيمة رضوان الله عليهم أجمعين ، لكنى أحلل الموقف بأمانة .
فقال لي : يا بني لا تتبع منهج الفسقة في تفكيرهم .
فقلت له : وما منهج الفسقة هذا ؟
قال : تشويه صورة الصحابة والسلف .
قلت: حاشا لله فأنا لم أقصد ذلك مطلقا ، كل ما أقصده أن تُنقل لنا حياه الصحابة والسلف كما هي بايجابياتها وسلبياتها  بحسناتها وسيئاتها .
فقاطعني متسائلا :
وما الفائدة من أن نبين للناس الأخطاء التي وقع فيها الصحابة ؟
وما الضرر الواقع عندما نبين للناس الجوانب الإيجابية فقط في حياه الصحابة و السلف؟
فأجبته : أن هناك ضررا كبيرا لحق بالمسلمين فعلا وأثر تأثيرا سلبيا علي ثقافتهم ، بل وجعل عقول المسلمين تتأخر قرونا من الزمان ، وذلك بسبب هذا المنهج الخاطئ الذي ينقل الجانب التعبدي أو الروحاني فقط من حياه السلف .
إن الضرر من وراء ذلك أكثر بكثير من أي منفعة ، لأن الناس اعتقدت أن الدين مقصور على هذه العبادات فقط .
وللحديــث بقيـــــــــــة ،،،،،،،عيـــد الخطيـــب

3 / دعاة المثالية المجنحة


دعاة المثالية المجنحة
يتحدث بعض  الدعاة  في كثير من الأحيان فيغوصون في بحور من المثالية التي عاش فيها الصحابة و التابعون ، دون أن يعرضوا بعض المواقف التي وقعت في عهدهم ، والتي تبين للناس أن الصحابة والتابعين كانوا بشرا غير معصومين ، ولم يبلغوا درجة الكمال المطلق الذي اختص الله سبحانه وتعالي به نفسه .
فما يحدث في واقع الدعوة أن بعض الدعاة يتعمدون إخفاء الجوانب السلبية في حياة السلف ، ظنا منهم أن هذه السلبيات لو وصلت إلي الناس في هذا العصر فسوف يكون لها تأثير سلبي عليهم ، وربما يفهمها الكثيرون فهما خاطئا ، بل ربما يتخذها البعض ذريعة لارتكاب المنكرات بحجة أن السلف وقعوا في الخطأ - كما يقولون - وهم لن يكونوا بأي حال من الأحوال أفضل من السلف .
وهذا أسلوب فاشل بالمرة ، لأنه من الواجب الإشارة إلي مثل هذه السلبيات بأسلوب تربوي هادف ، يبين للجيل المعاصر أن الصحابة رضوان الله عليهم نمط من أنماط البشر فريد ومتميز ، أكرمهم الله بوجود الرسول بين ظهرانيهم ، لكنهم في الوقت نفسه ليسوا ملائكة ولا معصومين ، فهم أيضا يخطئون كسائر البشر.
لقد روت كتب السنة الصحيحة أن حديث الإفك قد سري علي ألسنة بعض الصحابة ، بل وأن شَّّّّّّكاً وقع  في بعض النفوس وكاد أن يحدث قتالا بين الأوس والخزرج ، وذلك عندما صعد النبي صلي الله عليه وسلم المنبر ، وقال : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني  أذاه في أهل بيتي ( وكان يقصد عبد الله بن أبى بن سلول ،  وهو من الخزرج ، وهو أول من خاض في عرض السيدة عائشة رضي الله عنها )  فوالله ما علمت علي أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ( وكان يقصد هنا صفوان بن المعطل ، الذي اتهم ظلما في حادث الإفك مع السيدة عائشة رضي الله عنها ) ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل علي أهلي إلا معي .
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك .
فقام سعد بن عباده وهو سيد الخزرج ، بعد أن احتملته الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر علي قتله .
فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ -  فقال لسعد بن عباده : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق  تجادل عن المنافقين ، فتساور الحيان الأوس والخزرج  حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله قائم علي المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت " .
ولاشك أن الأنصار رضوان الله عليهم برغم منزلتهم ومكانتهم العظيمة  سقطوا في هذا الموقف العصيب الذي مر به النبي صلي الله عليه وسلم ، وليس من المصلحة مطلقا ألا نبين للناس أن الأنصار لم يراعوا الأزمة التي مر بها النبي ، وأنهم أخطئوا خطأ كبيرا عندما تحكمت فيهم العصبية وأخذتهم الحمية ، حتى كاد أن يحدث بين الأوس والخزرج قتال وهم بين يدي رسول الله وفي مسجده.
      إن رسول الله في حاله المعتاد كان من أكثر ما يكدره أن يري بين اثنين من صحابته مشاحنة ، فكيف يرى ـ وهو في حال أزمته وشدته العصيبة التي لا يتحملها أي إنسان ـ  بين صحابته ما رأي ، وقد كان أحوج ما يكون إليه صلي الله عليه وسلم أن يرى من ينصره ويقف بجانبه ، لا إلي من تأخذهم الحمية والعصبية العمياء إلي موقف آخر يجعل شدة الأزمة التي هو فيها تتزايد عليه .
وللحديــث بقيـــــــــــة ،،،،،،،عيـــد الخطيـــب

2 / ممــن نستقى مفاهيم الدين وأحكامه ؟|


 ممــن نستقى مفاهيم الدين وأحكامه ؟
إنني أرفض تماما أن نستقى مفاهيم الدين وأحكامه من خلال أقوال وروايات وردت لنا عن السلف ، ثم البحث في نصوص القرآن والسنة عن نص أو أكثر لإسقاط هذه المفاهيم على ما وجدناه من نصوص ، والربط بينها بشكل غير منطقي ولا مقبول ، كل هذا بدعوى أننا لن نكون أفهم للقرآن والسنة من السلف الصالح رضي الله عنهم ؛ فهذا منهج مرفوض.

فمن الواجب على الدعاة والخطباء أن يعلموا أن السلف رضي الله عنهم مهما كان قدرهم ، ومهما كانت مكانتهم فهم في النهاية بشر ليسوا بمشرعين ، عاشوا واقعا وظروفا وأحوالا ، تختلف تماما عن واقعنا وظروفنا وأحوالنا .

فمثلا عندما نتعرض لمسألة دينية نريد فيها حكما شرعيا ، أو لموقف من المواقف الحياتية نريد أن نخرج من ورائه بمفهوم معين يتفق مع المبادئ العامة لديننا الحنيف ، يكون من الواجب علينا أن نعود إلى القرآن والسنة فهما الأصلان الأساسيان اللذان نستقى منهما الأحكام الشرعية والمفاهيم الحياتية .

أما أن نقول إن السلف أفهم منا لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونعود إلى كلامهم وأقوالهم في كل مسألة تواجهنا أو موقف نتعرض إليه ، لنخرج منه بحكم شرعي أو مفهوم معين فهذا مرفوض شكلا وموضوعا ؛ لأن أقوالهم و تصرفاتهم  نابعة من فهمهم لنصوص القرآن والسنة من خلال واقعهم وظروفهم التي عاشوها هم ، وليس واقعنا وظروفنا التي عشناها نحن .

و بمشيئة الله سوف أصحح بالأدلة من القرآن والسنة من خلال هذه السلسلة التي لم ألتزم فيها بترتيب معين ، العشرات من المسائل والقضايا التي فهمها المسلمون فهما خاطئا ، والتي أثرت على ثقافتهم وأدت إلى هذا الجهل والتخلف الذي تعانى منه الأمة بسبب ذلك المنهج الخاطئ الذي وضحناه .

وما يميز هذه المدونة أنها ستناقش مسألة الخطاب الإسلامي وقضاياه عن طريق الدخول مباشرة في تفاصيل هذا الخطاب ، دون الاكتفاء بالوقوف عند أسلوب عرض الخطاب أو آليته أو تجديده ، وذلك من خلال طرح بعض النماذج للمفاهيم الخاطئة التى يحاول بعض الدعاة توصيلها للناس ـــ سواء كان ذلك بقصد منهم أو بدون قصد ــــ ثم مناقشة هذه المفاهيم بعقلانية دون الخروج عن مفهوم النص فالله دائما يخاطب أصحاب العقول التى تفكر وتتدبر وأمرنا باستخدام عقولنا للتفكير دون الحاجة لغيرنا لكى يفكر بدلا منا ويفهم النص الدينى حسب بيئته وتربيته وظروفه ثم يفرض هذا المفهوم على الناس ، حاشا لله أن يكون هذا مراد الله جلا وعلا .

ولا يحضرني الآن سوى قول الله سبحانه وتعالى في سورة هود :

          " قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ لَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "                                                    صدق الله العظيم



1 / حتمية تجديد الخطاب الديني


حتمية تجديد الخطاب الديني
على الرغم من الجهود المتضافرة التي يقوم بها كثير من الكتاب والمفكرين وأحيانا السياسيون حول حتمية تجديد الخطاب الديني - بغض النظر عن مقصودهم ونواياهم إن كانوا يرمون من وراء تلك الجهود لمصالح معينة ، أو إن كانت نابعة عن رغبة حقيقة للإصلاح - إلا أنني أرى أن هذه الجهود من كتابات ومقالات ومحاضرات وندوات لم تحدد المشكلة الحقيقية في هذه المسألة ، حيث إنها تركز على " أسلوب الخطاب الديني " الذي يجب أن يتغير بما يوافق هذا العصر ، ورغم ذلك فإن تغيير الخطاب ليس هو المشكلة الحقيقية ، فالمشكلة الحقيقية هنا تكمن في " مضمون الخطاب نفسه " .

وحاشا لله أن يفهم أحد أنني أقصد بكلمة " مضمون الخطاب " أن أنسب أى قصور للإسلام فهذا محال .

إنما القصور موجود عند بعض المشايخ والدعاة وغيرهم ممن يتحدثون باسم الإسلام ، حيث إنهم استقوا كثيرا من المفاهيم الخاطئة عن طريق أقوال وروايات وردت لنا عن السلف ، واعتبروا هذه الأقوال وتلك الروايات بمثابة نصوص دينية في حين إنها اجتهادات كانت لها ظروف معينة لأناس عاشوا عالما غير عالمنا وواقعا غير واقعنا .

ونستطيع أن نقول إن الفئة المعول عليها توصيل الدين للمجتمع بطريق مباشر أو غير مباشر سواء كانوا مشايخ أو دعاة أو مفكرين أو أكاديميين متخصصين في العلوم الشرعية أو غير ذلك ، انقسموا في مسألة تجديد الخطاب الديني إلى ثلاثة اتجاهات :

الاتجاه الأول ( المتشددون ) : اتجاه يرفض مجرد سماع جملة " تجديد الخطاب   الديني " ، ويتهم كل من ينادى بها بأنه يحارب الإسلام والمسلمين ، متمسكون بكل ما هو قديم ورافضون لكل ما هو جديد ، وهؤلاء هم الأكثر انتشارا ، وسيطرة على عقول وقلوب الناس ، وعلى الإعلام الديني ، ولهم اتصال مباشر مع الجمهور ، ولديهم تلامذة من الدعاة والمشايخ والطلاب في كل مكان ، يبلغون منهجهم للناس ، ويحفظون خطبهم ودروسهم ويلقونها على الناس كما هي .

الاتجاه الثاني ( المتساهلون ) : اتجاه يرفض كل ما هو قديم بشكل مبالغ فيه ، وصل بهم إلى الحد الذي جعلهم يحومون حول ثوابت هذا الدين ، فترى من بينهم من يجيز التدخين للصائم في نهار  رمضان ، أو يبيح للرجل أن يرضع من ثدي امرأة حتى تكون خلوتهما جائزة شرعا ، وهؤلاء أفراد قلائل ليس لهم أتباع ولا قبول في المجتمع ، وكل كلامهم عبارة عن فرقعات إعلامية تأخذ وقتها وتنتهي .

وبسبب شطحاتهم التي يبالغون فيها جعلوا عامة المسلمين يلتفون حول المتشددين أكثر وأكثر خوفا على دينهم من الضياع .

الاتجاه الثالث ( المعتدلون ) : اتجاه وسطى معتدل ، يدعو إلى الإيمان بالله بكل عقلانية ، ويدعو إلى التجديد مع التمسك بالأصالة ، ويحاول أن يوفق بين الدين ومتطلبات العصر الحديث ، وهؤلاء معظمهم منظِّرون ومفكرون أكثر من كونهم دعاة ، ليس لديهم الوقت أو المجال للاحتكاك بالجمهور كغيرهم ، وليس لهم قاعدة من المشايخ والدعاة على صعيد المجتمع ؛ لأن جُلَّ كلامهم فلسفي أكثر من كونه وعظيا ، وأغلب المشايخ والدعاة لا يميلون إلى الكلام الفلسفي ؛ لأنهم وللأسف لا يدركون أهميته بالنسبة لهم ، فمعظم قراءاتهم لا تتعدى كتب الوعظ والإرشاد ؛ لذلك دائما ما يتلهفون على كتب الخطابة والوعظ يحفظون ما فيها ويلقونه على  الناس ، دون بذل أى جهد أو حتى مجرد التفكير فيما يحفظونه ويلقونه .

وما أراه أن الخطاب الديني لا يحتاج إلى تجديد بقدر ما يحتاج إلى تصحيح ، فالمشكلة كما قلت في بداية كلامي  ليست في الأسلوب أو الطريقة التي يشرح بها المشايخ والدعاة الدين لجمهور المسلمين ، لكن المشكلة الحقيقية في مضمون ما يوصلونه للناس من مفاهيم خاطئة اكتسبها هؤلاء عن طريق مشايخهم ومعلميهم ، أو عن طريق الكتب التي يقرءونها ، ثم نقل هذه المفاهيم بعد ذلك لجمهور المسلمين .